المعاصي سبب لحرمان الناس من الرزق وجلب الهموم والضنك

السعادة الحقيقية في طاعة الله
المعاصي تحرم من الرزق وتجلب الكوارث
المعاصي، هي سبب الحرمان من الرزق وجلب الهم والحزن والغم والأسى واللوعة والضنك، وسبب قسوة القلوب، وتورث البغض في قلوب الخلق، وتتسبب في نسيان العلم، وسبب للمصائب والكوارث، وسبب لضيق الأرزاق وضيق الصدور وتنغيص صفو الحياة .
إن الله جل وعلا لما خلق النفس البشرية جعل راحتها وسعادتها وطمأنينتها في الإيمان به وطاعته ،
وجعل شقاءها وتعاستها في الإعراض عن وحيه والتنكب عن الصراط القويم
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ).
إن العاصي يعيش في ضنك ووحشة يجدها في نفسه، وإن أظهر سرورا وانشراحا وسكن القصور الشاهقة وركب المراكب الفارهة وجلس على الموائد الممتدة، فلا يجد الراحة ولا السكينة إلا بالانسجام مع مراد الله ولزوم مرضاته.
حرمان الرزق
وأن من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها الحرمان من الرزق ،
كما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله:
(وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)
وحرمانه بركته والانتفاع به، فيجتمع لديه الكثير من المال، لكنه لا يجلب له السعادة ولا السكينة، بل لا يزيده إلا هما وغما وخوفا من الافتقار لا يفارقه، فقلبه يطير مع كل أزمة، وضغط دمه يضطرب مع كل هزة، ويتجمد الدم في عروقه مع كل احمرار للأسهم أو اضطراب للأسواق، فالمال بين يديه كثير، لكنه يتعذب به أكثر مما يتنعم، وينشغل بتكثيره أكثر مما ينتفع به، فالمسكين لا يعدو أن يكون أمين صندوق للورثة وخازنا لمن يبعثره من بعده،
وتجد آخر أقل منه مالا لكنه يتنعم به وينتفع به ويشتري به رضا الله جل وعلا ومودة خلقه. وتلك من البركة في الرزق .
أن للمعصية ظلمة في الوجه يراها من نور الله بصيرته، ونفرة في قلوب الناس
وإن أظهروا له تعظيما أو تبجيلا فإنما يعظمون ما في خزانته
يقول ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما :
(إن للحسنة بياضاً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق،
وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب وضيقاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق).
ضيق المعيشة
إن المعاصي من أسباب ضيق المعيشة على الأفراد والأمم
والله سبحانه وتعالى يقول:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ )
ويقول: (وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجا ًوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ )
إلا أنه سبحانه ربما استدرج بعض أعدائه بما يفتح عليه من الدنيا
كما قال سبحانه ..
( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ).
احذر الكسب الحرام
بعض الناس يجمعون الحلال مع الحرام ويلهثون خلف الدرهم كلما رأوا بريقه ولا يبالون ، من أي طريق أخذوه ،
كل ذلك حرصا وكلَبا على الحطام وتأمينا لمستقبل الأولاد
ولو علموا لأدركوا أن مستقبل أولادهم في إصلاحهم وتعليمهم وحسن تأديبهم .
كما قص الله علينا من نبأ اليتيمين ابني الرجل الصالح في سورة الكهف ،
فحفظهما بصلاح الوالد حتى بعد وفاته
(وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا
فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) .
- وروى أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد خلّف بعده خمسة عشر ولداً، ودخل عليه بعض بني أمية يعودونه وهو في مرض الموت فقالوا له: ماذا تركت لأبنائك، قال: تركت لهم تقوى الله ،
إن كانوا أبراراً فالله يتولى الصالحين، وإن كانوا فجارًا فلن أعينهم بمالي على الفجور.
- وأما الخليفة هشام بن عبد الملك فخلف لكل واحد من أبنائه مائة ألف دينار من الذهب، ولكنه ما خلف لهم طاعة الرحمن ومخافة الديان، فماذا كانت النتيجة؟ بعد عشرين سنة، كما ذكر بعض المؤرخين: أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز يسرجون الخيول في سبيل الله منفقين متصدقين من كثرة أموالهم، وأما أبناء الخليفة هشام بن عبد الملك فأصبح بعضهم في عهد أبي جعفر المنصور يقفون في مسجد دار السلام ويمدون أيديهم بالسؤال ويقولون: من مال الله يا عباد الله، فأي الرجلين كان أعقل في تأمين مستقبل أولاده ؟
قسوة القلب
أن من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها قسوة القلب، وهي من أشد ما يُعاقب به الله أهل معصيته
فلا يجدون لذة لطاعة
ولا يشعرون بكبير ندم على تفريط و(مــا لجـرح بميت إيـلام )
ويقول سبحانه وتعالى لمن أعرض عن
هديه (فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)
فما عوقب المرء بأشد من قسوة القلب قال بعضهم:
" رب كم أعصيك ولا تعاقبني فسمع هاتفا يقول: "كم نعاقبك ولاتشعر".
فعقوبة تبلد الإحساس بمرارة المعصية من أشد العقوبات ، فأبعد القلوب عن الله القلب القاسي
والقلب متى بعد عن الله ماذا يبقى له من الحياة ؟!.
وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه).
البغض في قلوب الخلق
ومن آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها: البغض في قلوب الخلق، مبينا أن محبة الناس هبة عظيمة من الله سبحانه
يرزقها من شاء من خلقه وهي من أسباب السعادة وطيب الثناء.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا أحبّ الله العبد قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، قال: فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله العبد قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغض في الأرض".
فالحب والقبول من الأخيار لا يكونان إلا إذا استقام العبد يقول أبو الدرداء:
(لو أطاع طائع ربه وراء سبعة أبواب لأخرج له أثر طاعته على الناس ،
ولو عصى عاص ربه وراء سبعة أبواب لأخرج الله آثار معصيته للناس).
ويقول أحد السلف: (إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في خلق زوجتي وابنـي).
نسيان العلم
و أن من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها نسيان العلم :
(وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلّمُكُمُ ٱللَّهُ)
وفي ذلك أنشد الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العـلم نـورٌ
ونور الله لا يؤتى لعـاصي
ضياع العمر
و أن من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها ضياع العمر وإقبال المرء على ربه وهو مفلس من الخير قد غلب شره خيره،
فما من يوم جديد ينبثق فجره إلا وينادي ويقول:
( يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة).
نسير إلى الآجال في كـل لحظـة
وأيامنا تطوى وهـن مراحـل
ولم أر قبـل المـوت حقـاً كـأنه
إذا ما تخطته الأمـاني باطـل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب للرأس شاعل
ترحل من الدنيا بـزاد من التقـى
فعمـرك أيـام وهـن قـلائل
عدم استجابة الدعاء
أن من آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها عدم استجابة الدعاء ،
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يرفع يديه إلى
السماء ويقول:
يا رب، يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)
وقال:عليه الصلاة والسلام:
"أطب مطعمك تستجب دعوتك".
فالمعاصي توجب غضب الله جل وعلا وعذابه الذي توعد به من عصاه واتبع هواه من دون الله.
الصغائر تتحول لكبائر
أن الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر، كما قال أهل العلم:
فلا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار
يقول سبحانه وتعالى:
( وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
(إن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب ، ولكن رضي منكم بما تحقرون من الذنوب)
فإياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن والله يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، فيكون من المفلسين.
فالمؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يوشك أن يسقط عليه، لذا فهو يخاف سوء المنقلب ويحسب لكل خطوة حسابا وأما المنافق فيرى ذنوبه كأنها ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.
وشعاره:
(إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار)،
وهذا من الغفلة ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" ).
سوء الخاتمة

من عواقب المعاصي سوء الخاتمة التي انزعج لذكرها الصالحون وحزن لها المتقون فإذا أصر الإنسان على المعصية
وداوم عليها فإنه قد يموت عليها فيختم له بخاتمة السوء عياذاً بالله والأعمال بالخواتيم .


يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: ومن عقوباتها ـ المعاصي ـ أنها تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء {الأعراف:96}. وقال تعالى: وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا {الجن:16}. وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. انتهى.

ونشير إلى أن بر الوالدين وصلة الرحم ـ بصفة عامة ـ من أسباب الرزق، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.

والسلام عليكم

وفقك الله كلام جميل جعله الله في ميزان حسناتك
لك ودي وخالص شكري

الله يسلمك غلاتي