[center]قصة غريبة ..... ومن "بغي عليه لينصرنه الله"
إن الظلم مرتعه وخيم، وإن الظلم يفضي إلى الندم، وإنه ظلمات يوم القيامة،
وإن الله لا يغفل عما يعمل الظالمون؛ لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.
في
الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { قال الله: يا عبادي! إني
حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا } .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة =على المرء من وقع الحسام المهند
وبعد فهذه قصة مما يدفع الملل ولا تخلو من فائدة...
قال المعافى بن زكريا حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، فقال: حدثنا ابن أبي الدنيا، قال حدثنا داود بن محمد بن يزيد، عن أبي عبد الله النباجي، قال: دخل ابن أبي ليلى على أبي جعفر المنصور وهو قاض فقال له أبو جعفر: إن القاضي قد يرد عليه من طرائف الناس ونوادرهم أمور، فإن كان ورد عليك شيء فحدثنيه، فقد طال علي يومي، فقال: والله لقد ورد علي - منذ ثلاث - أمر ما ورد علي مثله، أتتني عجوز تكاد أن تنال الأرض بوجهها أو تسقط من انحنائها، فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي أن يأخذ لي بحقي وأن يعينني على خصمي، قلت:
من خصمك؟ قالت: ابنة أخ لي، فدعوت بها فجاءت امرأة ضخمة ممتلئة فجلست منبهرة، فقالت العجوز: أصلح الله القاضي، إن هذه ابنة أخي وأوصى إلي بها أبوها، فربيتها فأحسنت التربية، ووليتها فأحسنت الولاية، وأدبتها فأحسنت التأديب، ثم زوجتها ابن أخ لي، ثم أفسدت علي بعد ذلك زوجي، فقلت لها: ما تقولين؟ قالت: يأذن لي القاضي أن أسفر فأخبر بحجتي؟ فقالت: يا عدوة الله تريدين أن تسفري فتفتني القاضي بجمالك، فقال:
فأطرقت خوفاً من مقالتها، وقلت: تكلمي، فقالت: صدقت أصلح الله القاضي، هي عمتي أوصى بي إليها أبي وربتني فأحسنت ووليتني فأحسنت وأدبتني فأحسنت، وزوجتني ابن عم لي وأنا كارهة، فلم أزل حتى عطف الله بعضنا على بعض واغتبط كل واحد منا بصاحبه، ثم نشأت لها بنية فلما أدركت حسدتني على زوجي ودأبت في فساد ما بيني وبينه، وحسنت ابنتها في عينه حتى علقها وخطبها إليها، فقالت: لا أزوجك حتى تجعل أمر امرأتك بيدي ففعل، فأرسلت إلي: أي بنية إن زوجك قد خطب إلى ابنتي فأبيت أن
أزوجه حتى يجعل أمرك في يدي ففعل، وقد طلقتك ثلاثاً، فقلت صبراً لأمر الله وقضائه، فما لبثت أن انقضت عدتي فبعث إلي زوجها: إني قد علمت ظلم عمتك لك وقد أخلف الله عليك زوجاً فهل لك فيه؟ قلت: من هو؟ قال: أنا، وأقبل يخطبني فقلت: لا والله حتى تجعل أمر عمتي في يدي ففعل، فأرسلت إليها: إن زوجك قد خطبني فأبيت عليه إلا أن يجعل أمرك في يدي ففعل، وقد طلقتك ثلاثاً، فلم يزل حياً حتى توفي رحمة الله عليه، ثم لم ألبث أن عطف الله قلب زوجي الأول فتذكر ما كان من موافقتي إياه فأرسل إلي: هل لك في المراجعة، قلت: قد أمكنك ذلك، فخطبني فأبيت إلا أن يجعل أمر بنتها في يدي ففعل، فطلقتها ثلاثاً، فوثبت العجوز وقالت: أصلح الله القاضي، فعلت هذا مرة وفعلته هي مرة
بعد مرة، فقلت: إن الله تبارك وتعالى لم يوقت لهذا وقتاً، وقال: "ومن بغي عليه لينصرنه الله".
قال القاضي: إن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في حباله، وأرى أن الجارية أرادت أن يتولى التفريق بينه وبينها، استيفاء منها ومجازاة لها على فعلها.
..... من كتاب الجليس الصالح
_______________